مرض البطـانة المهاجرة أو بالانجليزية Endometriosis
مرض البطـــانة المهــاجرة من الأمراض التي تقلــق كثيــر من السيدات من كثرة ما يتنـاقلن بينهن عنه وعن مضاعفاته وتبعـــاته.
ولكن قبل الحديث عن مضاعفاته يجب بداية توضيح ماهيــة المرض *صفــاته وأماكن الإصــابة بــه:
هو مرض حميــد يصيب حــوالي 5-10% من السيدات في مرحلــة الخصوبة أي من سن حوالي 15 الى 45 سنة ولكن يبقى متوسط الســن الذي يتم تشخيص المرض فيه بين 25 الى 30 سنــة.
ولا يصيب هذا المرض البنــات قبل سن البلــوغ أو السيدات بعــد سن اليــــأس.
ويمثل المرض أكثر من 50% من النساء اللواتي يعانين من ألام شديدة ومزمنة في منطقة الحوض، في حين تكون نسبته بين 20-45% من السيدات اللواتي يعانين من تأخر الحمل.
ويتصف هذا المرض بوجود أنسجة شبيهة ببطانة الرحم في غير مكانها (ومن هنا يأتي مسمى البطانة المهــاجرة).
وقد توجد هذه البطانة المهاجرة في عدة مناطق كثيرة ولكن أكثرها شيوعا داخل تجويف البطن على جانبي الرحم وحول قناة فالوب والمبيضين أو عنق الرحم وقليلا ما قد توجد هذه الأنسجة على جــــدران الأمعــاء الخارجية أو حول الســرة أوحتى أحيانا على الأعضاء التناسلية الخارجية، وفي بعض الحالات النادرة جدا وجدت أنسجة البطانة المهاجرة على الحجاب الحاجز أو داخل الرئتين.
*أعراضــــه:
تتمثل المشكلة الأولى من أعــراض المرض في الآلام المصاحبة له حيث أن الأنسجة المهاجرة تسلك نفس سلوك الغشاء المبطن للرحم من حيث استجابته لهرمونات التبويض المسئولة عند زيادة سماكة بطانة الرحــم ما قبل وبعد فترة التبويض، ومع أنخفاض معدل الهرمونات في الجسم قــرب نزول الدورة في حالة عدم حدوث الحمل فأن البطانة تضعف بالتدريج حتى تخرج على هيئة دم الدورة، لذا فما يحدث في الأنسجة المهاجرة هو زيادة في نمو هــذه الخــلايا مع التبويــض، ثم حــدوث ما يشبه ادماء الدورة مع نــزول الــــدورة الفعليــة.
ويتميز الألــم المصاحب للبطانة المهاجرة في معظم الحالات بآلام تبدأ مع بداية الدورة وتزيد بزيادة كمية الدم في الأيام التالية من الدورة، عكس ماهو شائع في حالات آالام الحيض التقلصي أو الأحتقاني الأكثر شيوعــا التي تبدأ قبل أو مع نزول الدورة وتكون أشد ما يكون في أول يوم وتقل بالتدريج مع أستمرار نزول الدم في الأيام التــالية.
وبشكل عــام فإن كثير من الحالات تعاني من أضطراب في الـــدورة وأحيانا غزارة في كمية الــدم.
أيضــا من الآلام التي قد تصاحب البطانة المهاجرة آلام أثناء العلاقة الزوجية في حالة تواجد خلايا البطانة المهاجرة حول عنق الرحم أو المهبل أو آلام أثناء التبرز مع نزول دم في البرازأذا كانت تحيط بالمستقيم أو قناة مجرى الشرج أو حتى آلام ونزول دم مع البول اذا كانت الأنسجة حول أو داخل المثانة، بشكل عام يكون سبب الآللام هو حدوث أحتقان داخل الحوض وحدوث ما يشبــه النزيف داخــل الأنسجــة مع نــزول دم الــدورة.
من الأعراض الأخرى التي تصاحب المرض تأخر الحمل حيث يمثل حوالي 70% من حالات الأصــابة بالمرض ويختلف سبب التأخير حيث يعتمد مكان وجود الأنسجة على التبعات، فاذا كانت على المبيض تسبب ما يسمى الأكياس الدموية أو ما يسمى (أكيــاس الشوكولاتة) وقد تؤثر هذه الأكياس على التبويض وتضعف المبيض أو قد يزيد حجم الكيس ويؤدي الى سدد في الأنــابيب ، واذا ما كانت أنسجة البطانة حول الرحم والأنابيب فهي تسبب التصاقات داخل الحــوض.
أيضــا قد تسبب الأصابة بالمرض الى بعض الإكتئاب النفسي الذي قد يرجع الى أضطرابات الهرمونات أوالشعور المستمر بالألــم أو تأخــر الحمل أو حتى عــدم التوفيق في العلاقــة الزوجية نتيجــة إرتباطهــا بالآلام.
يبقى أن نقول أن حوالي 15% ممن يصبن بالمرض لا يعــانين من أي أعــراض.
*أسبــــابه ومراحــل الإصــابة بــه:
لا توجد أسباب مؤكدة معروفة للمرض حتى الآن وإن كان هناك نظريات وفرضيات لم تثبت صحتها بشكل مؤكد منها:
الأستعداد الوراثي، حيث وجد أن السيدات اللاتي ينتمين الى أم أو أخت تعاني من المرض يكونون أكثر عرضــة له عن غيرهم ممن لا يوجد لهم التاريخ المرضي في العائلة الخلل الهرموني الذي قد يؤدي الى تحويل بعض أنواع الخلايا على المبيض أو في الحوض الى ما يشبه خلايا البطانة الرحمية.
ولكن أكثر الآراء تميل الى نظرية الهجرة الفعلية للبطانة سواء عن طريق ما يسمى بالحيض المرتد أو الرجعي (حيث يعتقد برجوع دم الحيض في الأنبوبين الى الحوض بــدلا من خروجه من فتحة عنق الرحــم) أو عن طريق انتقال البطــانة من مكانها الى المكان الأخر أثناء عمليات فتح البطـن أو حتى اشعة الصبغة أو المنظار الرحمي فتتحرك خلايا بطانة الرحم إلى مناطق آخرى في الجسم وتلتصق بأجزاء أخرى مثل المبايض، المثــانة، الأمعــــاء.
ينقسم مرض البطانة الرحمية المهاجرة على حسب مراحل تدرجه الى أربع درجات، ولكن يجدر أن نشير أن التقسيم هنا مبني على التشخيص العيني المبني على تقييم مكان وعدد وعمق الأنسجة المنزرعة (المهاجرة) وعلى درجة الإلتصاقات إن وجدت، ويكون ذلك عن طريق منظار البطن وبالإستعانة بتحليل الأنسجة في بعض الحــــالات.
وعموما فإن تأثير البطانة المهاجرة على الحمل في حالات الدرجة الأولى والثانية محل جدل، ففي حين يدعى البعض أنهم لا يؤثروا على عملية التبويض أو التقاط البويضة بواسطة الأنابيب حيث لا يوجد التصاقات في هاتين الدرجتين ولكن بعض الأبحاث أشارت الى إحتمالية تأثيرهم بشكل غير مباشر على حــدوث الحمل عن طريق تغير الوســط المحيط بالبويضة بشكل لا يساعد عملية التلقيح أو إنغراز الأجنــة وإستدلت هذه الدراسات على ذلك بزيادة معدلات الحمل في العديد من حالات الدرجة الأولى والثانية بعد علاجهم بواسطة كي هذه الخلايا المهاجرة بالليزر أو الكي الحراري عن طريق منظار البطن، ولكن يقتصر ذلك على الحالات التي لم يستدل بها على وجود سبب آخر لتأخر الحمل. أما بالنسبة لحالات الدرجة الثالثة والرابعة فتأثيرها على الحمل أوضح سواء عن طريق تأثيرها على التبويض في المبيض بشكل مباشر أو على خروج البويضة أو التقاطها عن طريق الأنابيب نتيجة الإلتصاقات الشديدة حول المبيض والأنــابيب، أو حتى عن طريق تغيير المناخ المحيط بالبويضة من حيث حدوث التلقيح أو الإنغــــراز.
*تشخيــص المــرض:
يعتمد تشخيص مرض البطانة المهاجرة على عدة أشيــاء، تبدأ من التاريخ المرضي للمريضة الذي يرجحه شكل الآلام التي قد تعاني منها أثناء الدورة أو العلاقة الزوجية أو حتى أحيانا ما نسميه آلام الحوض المزمنــة.
الشــق الثاني للتشخيص هو فحص المريضة إكلينيكيــا أو بالموجات الفوق صوتية للحوض، حيث يلاحظ إما وجــود أكيــاس دموية على المبيضين أو وجود حبيبات أو تكتلات داخــل الحوض وتكون مؤلمــــة أثنــاء الكشف، وأحيــانا ما يستخدم الرنين المغناطيسي للتأكد من وجود الأكياس الدموية على المبيضيــن.
أيضــا من الأشياء التي يمكن الإستعانة بها في التشخيص بعض التحاليل المعملية التي قد تشير الى إرتفاع في بعض دلالات الأورام مثل بروتين CA125 ولكن مثل هذا التحليل لا يعطي مدلولات مباشرة عن المرض وقد يتشــابه مع أمراض أخرى للمبيــض.
يبقى أن نقــول أن التشخيص المؤكد للمرض يكون كما قلنا سابقاعن طريق رؤية ألأنسجة المهاجرة مباشرة بالمنظــار وأخذ عينة من خلاياها وتحليلها ميكروسكوبيا للتأكد من أنها خلايا للبطــانة المهـاجــرة.
*طــرق العــلاج المختلفــة:
تتوقف طريقة علاج مرض البطــانة المهاجرة على أعراض المرض وسن المريضة ودرجة تقدمه وكذلك رغبة المريضة في الحمــل من عـدمــه.
وبشكل عام فكما أن سبب المرض غير معروف بشكل قطعي فكذلك فإن علاجه يكون عن طريق محاولة تفادي أعراضه حيث لا يوجد علاج جــذري لــه.
ولكي نتفهم الطــرق التي قد نسلكها فإن القاعدة في علاج المرض هي محاولة الحد من نشاط خلايا البطانة المهاجرة سواء عن طريق العلاج الهرموني أو أستئصال الخلايا بالجراحة سواء المنظار أو فتــح البطــن.
ويعتير أحد الحلول المثالية للبطانة المهاجرة هو محاولة المساعدة لحدوث الحمل، حيث تعتبر فترة التسعة أشهر للحمل وماقد يليها من فترة توقف الدورة أثناء الرضاعة فترة جيدة لحدوث ضمور في أنسجة البطانة المهاجرة، ولكن هذا الحل نفسه قد يكون أصعب من علاج المرض ذاته وقد لا يتوافق مع كل الحالات، وكثيرا ما نلجأ في التحفيز على حدوث الحمل إستخدام تقنية أطفال الأنابيب لتفادي مشكلات الإلتصاقات وضعف التبويض المصاحبين للبطانة المهاجرة. ومن الأمثلة الأخرى للعلاج؛ العلاج الهرموني الذي يعتمد على إعطاء هرمونات تضعف بطانة الرحم وتحد من نشاطها بشكل مباشر مثل أقراص منع الحمل بشكل متصل لمدد تصل الى ستة أشهر أو أكثر لإيقاف الدورة وتقليل الأعراض المتصلة بنزولها ولكن هذه الطريقة نتائجها محــــدودة.
أيضا الأدوية التي تحتوي على هرمون البروجيستيرون التي تُدخل الجسم في حالة مشابهة للحمل وما يصحبه من ضمور في البطــانة.
كــذلك من العلاجات الهرمونيه الشائعة بعــض أنواع الحقن التي تثبط نشاط هرمونات الغدة النخامية في المخ المسئولة عن تحفيز التبويــض في المبيض، مما يتبعه من تثبيــط للتبويض ووضع الرحم والمبيضين في حالة خمول تشابه ما يحدث في مرحلة سن اليأس لفتـرة مؤقتــة.
ولنفس السبب فقد يعطى عقار الدانازول وهو أحد مشتقات هرمون الذكورة التي تضعف البطانة سواء بشكل مباشر او عن طريق تثبيط هرمونات الغــدة النخــامية.
وتتميز العلاجات الهرمونية في كونها بسيطة في الأستخدام ولكنها تحتاج لفترات طويلة لتعطي تأثير ملحوظ ومن عيوبها أنها تكون مصحوبة بأعــراض جانبية تختلف من حــالة الى أخرى وتتفاوت من تغيرات في المزاج أو زيادة في الوزن وأنتفاخات في البطن أو إضطرابات في الجهاز الهضمي وفي أحيان أخرى ظهور حب الشباب أو زيــــادة الشعر الغير مرغوب فيه في الجسم أو أعراض تشابه تلك التي تصاحب أنقطاع الطمث كإحساس بالسخونة في الوجة والجسم
أما الخيــار الجراحي في حــالات البطانة المهــاجرة فيتمثل في مناظير البطن التي تستخدم لكي الأنسجة المنزرعة من البطانة المهاجرة سواء عن طريق الليزر كما سبق ووضحنا أو عن طريق الكي الحراري، أيضا تستخدم المنــاظير لإستصال الأكيــاس الدموية من على المبيضين وأحيانا في فك الإلتصاقات البسيطة للحالات التي ترغب في الحمــل.
أما فتح البطن فيبقى كخيار جراحي أخير في الحالات التي لا يصلح لها المناظير ويستخدم في حالات الأكيــاس الدموية الكبيرة التي يتعذر معها إستئصالها بالمنظار. أخيرا يبقى الا نهمل دور تعديل نمط الحياة من ممارسة الرياضة التي قد يكون لها دور في تقليل إحتقان الحوض والشعور بالآلام المصاحبة للبطانة المهاجرة، كذلك نوعية الغذاء مثل الإهتمام ببعض أنواع العناصر الطبيعية والفيتامينات التي قد تســاعد الجسم في السيطرة على المرض ومنها الأحمــاض الدهنية الأساسية وفيتامينــات (هـ) و (ب) و(ج)، كذلك الزنــك والكــالسيــوم والمــاغنسيــوم.