الغابة المفقودة..من قصائد إيليا أبو ماضي
يا لهفةَ النفسِ على غابةٍ
كنتُ وهنداً نلتقي فيها
أنا كما شاءَ الهوى والصبا
وهيَ كما شاءَتْ أمانيها
تكادُ من لُطْفِ معانيها
يشربُها خاطرُ رائيها
آمنتُ باللهِ وآياتهِ
أليسَ أنّ اللهَ باريها ؟
***
نباغتُ الأزهارَ عند الضحى
متَّكئاتٍ في نواحيها
ألوى على الزَنْبقِ نَسرِينُها
والتفَّ عاريها بكاسيها
واختلجتُ في الشمسِ ألوانها
كأنَّها تذكرُ ماضيها
تآلفتْ ، فالماءُ من حولها
يرقصُ والطيرُ تغنِّيها
مَنْ لقَّنَ الطيرَ أناشيدها؟
وعلَّمَ الزهرَ تآخيها؟
يا هندُ هذي معجزاتُ الهوى
وإنَّهـــا فينا كمـــا فيها
لا تستحي الزهرُ بإعلانها
فمـــا لنا نحنُ نواريها ؟
وتهِتفُ الطيرُ بها في الربى
فمـــا لنا نحن نعمِّيها ؟
للهِ فيْ الغابةِ أيَّامُنا
ما عابَها إلا تلاشيها
طوراً علينا ظلُّ أدواحها
وتارةً عطفُ دواليها
وتارةً نلهو بأعنابها
وتارةً نُحصي أقاحيها
تسكتُ إذ نشكو شحاريرُها
كأنَّما التغريدُ يؤذيها
وإنْ تضاحكنا سمعنا الصُّدى
يضحكُ معنا في أقاصيها
وإنْ مَشَيْنا فوقَ كثبانها
لاحتْ فَشاقَتنا أدانيها
وفوقَنا الأغصانُ معقودةٌ
ذوائبٌ طالَ تدلِّيها
إذا هَزَزْناها عن غُرَّةٍ
ألقتْ من الذُّعرِ لآليها
نسيرُ من كهفٍ إلى جدولٍ
نكتشفُ الأرضَ في حواشيها
وتختبي هندٌ فأشتاقها
وأختبي عنها فأُغريها
كم أوهمتني الخوفَ من طارئٍ
تشجي بذا نفسي فتشجيها
فرحت أعدو نحوَهَا مشفقاً
فكانَ ما حاذرتُ تمويها !
فاعجب لأطواري وأطوارِها
تعبثُ منِّي وأُجاريها !
***
أَللهُ لو دامَ زمانُ الهوى
ودامَ من هندٍ تجنِّيها
لا غابتي اليومَ كعهدي بها
ولا التي أحْبَبْتُها فيها
ولا تلالٌ كنهودِ الدُّمى
ولا سفوحٌ كتراقيها
ولا الندى درَّ على عُشبها
ولا الأقاحي في روابيها
ولا الضُّحى يُلقي على أرضِها
شباكَ تِبْرٍ مِنْ أعاليها
أهبَطني أمسُ إلى حضنِها
شوقي إلى شَجْعِ قماريها
قد بدَّلَ الإنسانُ أطوارها
واعتصبَ الطيرَ مآويها
وفتَّ بالبارودِ جلمودَهَا
واجتثَّ بالفأسِ دواليها
وشادَ من أحجارِها قريةً
سكَّانُها الناسُ وأهلوها
***
يا لهفةَ النفسِ على غابةٍ
كنتُ وهنداً نلتقي فيها
جنَّةُ أحلامي وأحلامِها
ودارُ حبِّي وتصابيها
نبكي من اليأسِ على شوكِها
وكانَ يُدميني ويُدميها
كانتْ تغطِّينا بأوراقِها
فصارتِ الدورُ تغطِّيها !