الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
- فإن الدعوة
إلى الله -تعالى- قد صارت في هذا العصر فرضاً على الأعيان في أغلب الأحيان؛
وذلك لشيوع المنكرات، ولتكاتف الباطل للصد عن سبيل الله -تعالى-، قال الله
-تعالى-: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ
وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ
هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(آل عمران:104).
- والدعوة إلى الله -تعالى-
سبيل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسبيل أتباعه على الحقيقة، قال الله
-تعالى-: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ
أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ
الْمُشْرِكِينَ)(يوسف:108).
- والدعوة إلى الله صفة المؤمنين، قال
الله -تعالى-: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ
بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ
الْمُنْكَرِ)(التوبة:71).
- والدعوة إلى الله -تعالى- من الصفات
الجليلة التي بايع الله بها المؤمنين، فقال الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ
اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ
الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ
وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ
وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ
الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ)(التوبة:111).
ثم ذكر -تعالى- من صفاتهم: (الآَمِرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ
اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)(التوبة:112).
قال ابن كثير -رحمه
الله-: "وهم مع ذلك ينفعون خلق الله، ويرشدونهم إلى طاعة الله بأمرهم
بالمعروف ونهيهم عن المنكر، مع العلم بما ينبغي فعله ويجب تركُه، وهو حفظ
حدود الله في تحليله وتحريمه، علما وعملا فقاموا بعبادة الحق ونصح الخلق؛
ولهذا قال: (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)؛ لأن الإيمان يشمل هذا كله،
والسعادة كل السعادة لمن اتصف به". التفسير ج2/400.
- وكلمة الداعي
إلى الله -تعالى- أحسن كلمة تقال على وجه الأرض لاسيما في أزمنة العصيان
والجحود والنكران!! قال الله -تعالى-: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ
دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ
الْمُسْلِمِينَ)(فصلت:33).
قال الحسن البصري -رحمه الله-: "هو
المؤمن. أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته
وعمل صالحا في إجابته، فهذا حبيب الله، هذا ولي الله".
وقال أبو
الدرداء -رضي الله عنه-: "إن شئتم لأحدثنكم عن أحب عباد الله إلى الله،
الذين يحببون الله إلى عباده، ويعملون في الأرض نصحا".
- ومقام
الدعوة إلى الله أشرف مقامات التعبد، والداعي المبلغ عن رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- في حفظ الله وعصمته بحسب قيامه بدينه وتبليغه، كما قال ابن
القيم -رحمه الله- في جلاء الأفهام ص 249.
- قال سفيان بن عيينة -رحمه الله-: "أشرف الناس منزلة من كان بين الله وخلقه، وهم الأنبياء والعلماء".
- وقال سفيان الثوري -رحمه الله-: "لا أعلم في هذه العبادة شيئا أفضل من أن يعلم الناس العلم".
هذا
وإن من الحكمة في الدعوة أن يتخير الداعية الأوقات وأن ينتهز المناسبات؛
يقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: "إن للقلوب شهوة وإقبالا، وفترة وإدبارا
فخذوها عند شهوتها وإقبالها، وذروها عند فترتها وإدبارها".
وإن من
المناسبات التي ينبغي أن ينتهزها الدعاة إلى الله وأن يعدوا أنفسهم
وإخوانهم ومساجدهم لها من الآن "شهر رمضان" -شهر المغفرة والرحمة، والجود
والإحسان- الذي تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق أبواب النار، وتصفد مردة
الشياطين، وفيه العتق من النار، وإقبال الناس على الله -تعالى-، فينبغي أن
نعد العدة من الآن لاستقبال هذه النفوس التواقة لطاعة الله، والرجوع إليه.
- وهذه اقتراحات نضعها بين أيدي إخواننا لكيفية استغلال رمضان دعوياً، أسأل الله -تعالى- التوفيق والسداد فيها.
أولا: دعوة أنفسنا:
فيجب
أن نعلم أن من الأسباب العظيمة لفتح قلوب العباد هو اتصال الداعي أحب الله
كثيراه -تعالى-؛ بحيث يتوكل عليه في جميع أموره، لاسيما في أمر الدعوة
ونصر الله -سبحانه وتعالى- وإعلاء كلمته، قال الله -تعالى-: (وَمَنْ
يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)(الطلاق:3)، أي: كافيه.
ويتعلق
أحب الله كثيراه كتعلق الطفل بوالديه، لا يعرف في الوجود غيرهما، قال الله
-تعالى-: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ
كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا)(البقرة:200)، عن عطاء
وغيره: "هو كقول الصبي: أبه، أمه، يعني: كما يلهج الصبي بذكر أبيه وأمه،
فكذلك أنتم فالهجوا بذكر الله بعد قضاء النسك" تفسير ابن كثير 1/243.
والطريق
إلى ذلك بصدق اعتماد القلب على الله الغني الحميد، والثقة به، وحسن الظن
فيه، وإتقان فقه القدوم على الله الذي يزعج النفس ويحركها إلى سلوك طريق
الآخرة، ويشعرها بقرب الرحيل، وأنه لن ينفعها زاد إلا التقوى؛ فتنشغل
بإعداده: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)(البقرة:197)،
قال عطاء الخراساني: "يعني: زاد الآخرة". تفسير ابن كثير 1/239.
-
فيكون عبداً لله دوماً، يدور مع أمر الله حيث دار، ويتعبد لله -تعالى-
عبادة الوقت الذي هو فيه إن كانت صلاة فهو مع المصلين، وإن كانت صوما فهو
مع الصائمين، وإن كانت ذكرا فهو مع الذاكرين... وهكذا (وَاعْبُدْ رَبَّكَ
حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)(الحجر:99)، فينبغي لنا أن نغتنم المواسم
الفاضلة بزيادة تقرُّب واجتهاد كما كان رسولنا -صلى الله عليه وسلم- يفعل،
وكما كان سلفنا الصالح يفعلون.
والحذر كل الحذر من الغفلة عن
أنفسنا، فنقتلها كما قال الفضيل بن عياض -رحمه الله- في قوله -تعالى-:
(وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ)(النساء:29)، قال: "لا تغفلوا عن أنفسكم فمن
غفل عن نفسه فقد قتلها". والله المستعان.
- ومن العمل الصالح في كل
وقت وخاصة "شهر رمضان" لإقبال الناس على الله -تعالى-، الدعوة إلى الله
-سبحانه وتعالى- فلا يظنن ظان أنه من تضييع الوقت، أو نفسه أولى فينصرف
إليها!! لا يا أخي. -بارك الله فيك-، بل هو من العمل الصالح ومن الإيمان
وتزكية النفس، وأما ما ورد عن السلف كالإمام مالك والزهري والثوري -رحمهم
الله- أنهم كانوا يفرون إلى قراءة القرآن وترك إملاء الحديث؛ فهذا -إن شاء
الله- سيكون منك، فلا تغفل عن نفسك، لكن لا تترك دعوة الناس فالزمان مختلف،
فنحن في زمان جحود وعصيان وتنحية شريعة الرحمن، وأغلب الناس كما ترى
جاهلون بالشرع ومجاهرون بالعصيان؛ فمن لهم؟؟!! لاسيما وأنهم قد أقبلوا على
الله -تعالى- وهرعوا إلى بيوته.
ثانيا: تهيئة المساجد لاستقبال الضيوف، ويكون بتنظيفها وتطييبها:
فعن
عائشة -رضي الله عنها- قالت: (أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ببناء
المسجد في الدور -محال القبائل- وأن تنظف وتطيب) رواه أبو داود، وصححه
الألباني.
- وقد كان الصحابة -رضي الله عنهم- يحافظون على نظافة
المسجد وتطيبه، فقد كان عبد الله يجمر المسجد -أي: يطيبه- إذا قعد عمر على
المنبر"، ونعيم بن عبد الله المدني التابعي الجليل كان يلقب بـ "المجمـِر"؛
لأنه كان يجمر المسجد.
- إن المساجد بيوت الله -تعالى- فيجب على كل مسلم أن يتعاهدها بالنظافة والتطييب، وأن تنزه عن القذر والروائح الكريهة.
-
فمن الآن على المسلمين في مساجدهم أن يعدوها لاستقبال العابدين والتائبين
والذاكرين؛ بحيث يجدون فيها راحتهم فتتعلق قلوبهم بها دوما، فيكون ذلك صفة
لهم بعد رمضان.
ثالثا: أن ينشر ويشاع علم أحكام الصوم في المسجد:
بإلقاء
الدروس اليومية إما من إمام المسجد أو من غيره؛ لأن النبي -صلى الله عليه
وسلم- قال: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) رواه ابن ماجه، وصححه الألباني،
والمقصود به: علم الأحكام للعبادة التي تلبس بها المسلم.
رابعا: عمل صندوق للفتاوى في المسجد:
ويجيب عليها إمام المسجد أو غيره، وهي فرصة للإجابة والتوضيح عما في أنفس الناس مما يجهلونه.
خامسا: عقد مقرأة يومية بعد صلاة العصر:
بحيث
يقرأ الشيخ جزءً محدداً من القرآن، ويردد خلفه الحاضرون، ثم تفسير هذا
الجزء تفسيرا إجماليا مع استخراج الفوائد والأحكام، ويكون تفسيرا مبسطا،
وهذا له فوائد جمة، من ذلك:
ربط المصلين بكتاب الله -تعالى-، وقراءتهم للقرآن قراءة صحيحة، ومعرفة تفسير ما يقرؤون، وهذا يشوفهم إلى معرفة المزيد حتى بعد رمضان.
سادسا: التركيز على كلمة التراويح:
فيختار
لها المتكلم بعناية، وأن تختار موضوعاتها بدقة، وتكون فيما يحتاجه الناس
وفيما عنه غافلون، وقد تختار هذه الكلمات من الآيات التي تتلى في الصلاة.
سابعا: يرجح أن تكون كلمة الفجر في الرقائق والإيمانيات:
ويختار
كل فجر حديثا من أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أبواب كتاب
رياض الصالحين وشرحه من شرح العلامة ابن عثيمين -رحمه الله-؛ بحيث مع
انتهاء شهر رمضان يكون قد اختار ثلاثين بابا.
ثامنا: فكرة "اسحب نسختك" فكرة طيبة جدا:
بحيث تختار الكتيبات والمطويات بعناية شديدة جدا كما ذكرنا: "حسب حاجة الناس وما هم عنه غافلون".
تاسعا: توزيع مشروب على الحاضرين في نهاية الصلاة، فهو من أسباب التأليف.
- أن يقوم أخ أو أخوان بتطييب الناس إما وهم داخلون المسجد أو وهم جالسون.
- ينبغي سكينة الجميع وعدم الحركة عند كلمة التراويح أو الدروس حتى تقع هيبتها في النفوس.
عاشرا: الدعوة الفردية:
أحد عشر: عقد حلقة لتحفيظ سورة مع تفسيرها مع عقد مسابقة في آخر الشهر.
وأخيرا: لزوم المسجد وعدم التنقل؛ فإن النفع المتعدي أفضل أجرا من النفع الفردي.ثم هذه اقتراحات ولا شك أن إخواننا عندهم المزيد.
أسأل الله -تعالى- أن ينفع بها وأن يستعملنا في طاعته، وأن يبلغنا رمضان، وأن يجعلنا من أهله. آمين.