أم عمارة سقت المجاهدين وداوت الجرحى في الحروب
تنتمي هذه السيدة إلى طراز فريد من الناس، شهدت الغزوات مع الرسول عليه الصلاة والسلام ومع صحابته الأبرار الكرام ،
تسقي المجاهدين، وتداوي جراح المصابين، وتضرب بسيفها من أجل الحق، وتفوقت في ذلك على الأبطال والفرسان.
شهدت غزوة أحد مع زوجها وولديها ، فلما تحول ميزان المعركة في مصلحة المشركين ، لم تخف أو تصرخ ، أو تفر من الميدان ،
لكنها صمدت وأخذت تدافع في بسالة منقطعة النظير عن نبي الإسلام، تتلقى عنه الضربات، حتى جرحت اثني عشر جرحا.
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ما التفت يوم أحد يمينا ولا شمالا إلا وأراها تقاتل دوني”.
هي نسيبة بنت كعب الأنصارية الخزرجية التي تكنى بأم عمارة.أخت عبد الله بن كعب فارس بدر، وعبد الرحمن وهو من العابدين المتقين زوجة
يزيد بن عاصم، أنجبت ولدين “حبيب وعبد الله” وهما من فرسان الإسلام.كما تزوجت من بعده غزية بن عمرو وأنجبت تميما وخولة.
كان إسلامها إسلام عقل ويقين ، جاء عن فهم وإرادة واقتناع ، لا تبعية لزوج أو أخ أو أب أو كبير قوم .
جاء قوم من أهل يثرب “المدينة” من الأوس والخزرج ، إلى مكة للحج وأسلمت جماعة منهم على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعادوا إلى أهلهم مبشرين
بالدين الحق فآمن به من آمن في هذه الأرض الطيبة.كان مسلمو يثرب يلتقون بالنبي صلى الله عليه وسلم عند العقبة فيبايعهم ويبايعونه.
وفي العام الثالث جاء 73 رجلا وامرأتان ، هما نسيبة بنت كعب، وأم منيع أسماء بنت عمرو.
كان دور أم عمارة في سبيل الإسلام كبيرا وإيجابيا ومؤثرا.
أرادت أن تؤكد مكانة المرأة فقالت: يا رسول الله، ما أرى كل شيء إلا للرجال وما أرى النساء يذكرن في شيء فاستجاب الله لها ، ونزل الوحي بآيات كريمة تؤكد مكانة المرأة في الإسلام:
“إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ
وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً” (الأحزاب: 35)
في يوم أحد شاهدها الرسول صلى الله عليه وسلم تقاتل مع زوجها وولديها قال لابنها عبد الله “بارك الله عليكم من أهل بيت، رحمكم الله أهل بيت”.
قالت أم عمارة: ادع الله أن نرافقك في الجنة.
فقال: “اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة”.
قالت: والله لا أبالي بعد ذلك ما أصابني من الدنيا.
وفي الحديبية تكرر المشهد العظيم ، وأيضا في اليمامة لم يتوقف دورها في الدعوة الإسلامية على حياة الرسول فقط ، ووجوده بين المسلمين، ولكن امتد إلى آخر يوم في حياتها.
شاركت في جيش أبي بكر الذي حارب المرتدين وفي معركة اليمامة مع خالد بن الوليد.
أرسل النبي صلى الله عليه وسلم ولدها “حبيباً” برسالة إلى مسيلمة الكذاب فقتله بعد أن أهانه وعذبه.
سأله الكذاب: أتشهد أن محمدا رسول الله؟
فيقول: نعم
فيقول له: أتشهد أني رسول الله؟
فيقول: لا أسمع شيئا.
أخذ الكذاب يقطع بسيفه في جسم الفتى المؤمن الصابر، فلا يزيده التعذيب إلا عزما وصلابة وإيمانا وإحسانا حتى مات.
وفاء بالنذر
علمت بموت ولدها فنذرت ووفت بنذرها نذرت ألا يصيبها غسل حتى يقتل مسيلمة.
وفي اليوم الموعود توجهت إلى ساحة المعركة مع ابنها عبد الله، وكانت حريصة على الأخذ بثأرها بيديها، لكن عبد الله قام لها بهذا الدور واشترك معه وحشي بن حرب
الذي قتل حمزة في غزوة أحد ، وأسلم بعد ذلك، وحسن إسلامه.
وفي يوم أحد وغيره من أيام الله. كانت تحمل الأربطة على وسطها، وكلما أصاب أحد المجاهدين جرح، جرت إليه وضمدت جراحه، وتطلب منه أن ينهض بسرعة ليستأنف الجهاد في سبيل الله.
وكما فعلت مع الجميع فعلت مع ابنها الذي جرح، وقالت له بعد أن أسعفت جراحه، قم وانهض إلى الجهاد. شاهد النبي صلى الله عليه وسلم ما أصاب ولدها فأشار إليها وقال:
هذا ضارب ابنك، فسارعت إليه وضربته في ساقه فوقع على الأرض وأجهزت عليه.
غيرت أم عمارة تلك القاعدة التي تقول بأن الحرب والجهاد شأن من شؤون الرجال ، لا تستطيع النساء المشاركة فيه، أو تحمل أعباءه وقسوته.
تضحيات
وأبلت في الغزوات التي شاركت فيها بلاء حسنا، وكلما رأت النبي صلى الله عليه وسلم تدافع عن الإسلام والمسلمين هتف قائلا: “من يطق ما تطيقين يا أم عمارة”، يقول الله في كتابه الكريم:
“لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً” (الفتح: 18).
وكان لنسيبة بنت كعب رضي الله عنها نصيبها من السكينة والثواب.
فقدت يدها في إحدى الغزوات، وقدمت ولدها شهيدا في سبيل الله، وعاشت تدعو في سبيل الله بكل ما أوتيت من عزم وقوة. كلمة الحق على لسانها، والسيف في يدها، ووعاء الماء في اليد الأخرى،
والأربطة حول وسطها وتضمد بها الجراح أثناء الغزوات كانت كلمتها ترفع همم المجاهدين، وتشد من أزر المقاتلين فيكون النصر حليفهم، والسداد رفيقهم.
تذكرت وعد النبي الكريم ووعده حق أنها معه في الجنة، هي وأهلها، وتذكرت ردها عليه، ألا يشغلها أمر من أمور الدنيا أو تجزع لصروفها ومصائبها،
ولكن تصبر وتحتسب لتنال في النهاية المطاف جزاء المحسنين الصابرين.