بسم الله الرحمن الرحيم
إنّه لا يُسمّى أيّ يومٍ عيداً ما لم يسمّ من قبل الشرع نفسه، مهما كان ذلك اليوم عظيماً أو وردت فيه أعمال أو أذكار خاصّة.
فهناك أيّام عظيمة في الإسلام، مثل يوم البعثة الشريفة، أو ميلاد سيد الكائنات وكذا أيام مواليد سائر المعصومين سلام الله عليهم، أو يوم عرفة أو غير ذلك، ولكنّ الشرع لم يسمّ أيّاً منها عيداً، كذلك وردت في الروايات في باب النيروز بعض الأدعية والأذكار والأعمال، لكنّها لا تعدو كونها نوعاً من المراسم والمناسك الدينية، ولم يرد إطلاق تعبير «العيد» على هذا اليوم أبداً.
أمّا يوم الغدير فقد عُبّر عنه في لسان الأحاديث والروايات الشريفة بأنّه عيد، كما أطلق ذلك على عيدي الفطر والأضحى ويوم الجمعة، بل تمّت الإشارة إليه بصيغة أفعل التفضيل مثل:
«أفْضَلُ الأعْياد»(1) و«عيدُ الله الأكبرُ»(2).
وروي أنّ الإمام الصادق سلام الله عليه قال لبعض أصحابه:
«لعَلَّك تَرَى أنَّ اللهَ عزَّ وَجَلَّ خَلَقَ يَوماً أعْظَمَ حُرمَةً مِنْه؟ لا واللهِ، لا واللهِ، لا والله»(3).
من هنا يتّضح أنّ هذا اليوم العظيم لا يعدّ ضمن أيّام مثل يوم دحو الأرض والنصف من رجب، والنيروز، بل هو أعظم.
قال الشيخ عباس القمّي رحمه الله عن يوم عرفة: وهو عيد من الأعياد العظيمة وإن لم يُسَمّ عيداً(4).
ويبعد أن يكون هذا الموضوع من اجتهادات الشيخ القمّي؛ لأنّ أسلوبه ومنهجه غير هذا، فمن المحتمل أنّه أخذ مثل ذلك عن بعض السابقين وإن لم يذكره.
إنّه يكفي أن يرد التعبير عن عرفة بالعيد في رواية واحدة، حتى نطلق عليه ـ من باب التسامح ـ لفظة العيد؛ لأنّ موارد من هذا القبيل، لا تحتاج الى السند بناءً على المشهور. أمّا إذا لم يكن عندنا رواية في ذلك، فلا وجه لتسمية هذا اليوم بالعيد.
إنّ الملاك للأسماء والحقائق الشرعية هي الأدلّة الشرعية؛ فالطريق الوحيد لتسمية يوم ما عيداً إسلامياً هو أن يكون مصدر هذه التسمية القرآن الكريم أو السنّة المطهرة.
ولهذا لا نجد وجهاً لتسمية يوم عرفة بالعيد من دون التوفّر على دليل شرعيّ، مهما كان هذا اليوم شريفاً وعظيماً.
وهكذا الحال بالنسبة ليوم النيروز، فإنّه لم يرد التعبير عنه في الروايات بالعيد، ولا يخفى أنّه وردت في خصوص النيروز روايات متخالفة.
بعد التتبّع في تلك الروايات رجّح العلاّمة المجلسي رحمه الله، وتبعه العلماء الذين جاءوا بعده، الروايات المؤيّدة، ولكنه طرح ـ في بحث مفصّل له في البحار ـ تساؤلاً مفاده: من أين لنا أن نعلم أنّ النيروز الذي ورد فيه استحباب الصوم والغسل، ورويت له صلاة خاصّة، هو هذا النيروز المعهود (أي ابتداء الربيع ووقت تحوّل الشمس إلى برج الحمل)؟
ولم يكن ملوك آل بويه والحمدانيون وعدّة ملوك آخرين، من الذين كانوا يحتفلون بالنيروز، متّفقين في تحديده، فكان هناك النيروز المعتضدي ـ نسبة إلى المعتضد وهو أحد حكّام بني العباس واسمه أحمد بن طلحة، ولقبه المعتضد بالله ـ والنيروز الجلالي والنيروز السلطاني(5).
لعلّ الأقوال في أنّ النيروز هو أيّ يوم من أيّام السنة خمسة أو ستّة، وقد حدث التبديل في تعيينه مرّات كثيرة، وإن استقرّ الرأي أخيراً في السنين الأخيرة على اعتباره أوّل أيام فصل الربيع، ولهذا قام كثير من الفقهاء بتحقيقات في تعيين زمان النيروز بمناسبة أحكام الصوم والصلاة فيه، كما توقّف كثير منهم في ذلك أيضاً.
والجدير بالذكر أنّه لا يمكن في حال الشكّ في تحديده، التمسّك بأصالة عدم النقل، خلافاً لعيد الغدير فإنّه يمكن التمسّك فيه ولهذا نقول: كان الثامن عشر من ذي الحجّة منذ البداية يوم الغدير، أما بالنسبة للنيروز فلم يكن الأمر كذلك بل إن التبدّل في تعيينه في القرون الماضية قطعيّ، لثبوت نقل هذه المناسبة فلا يبقى مجال للأصل المذكور.
في التحقيق الذي قام به العلاّمة المجلسي رحمه الله في البحار، طرح فكرة احتمال انطباق النيروز من كلّ عام مع عيد الغدير أي كونه في الثامن عشر من ذي الحجّة أيضاً، فقد روي أنّ الثامن عشر من ذي الحجّة من السنة العاشرة للهجرة (الذي نصّب فيه النبيّ صلى الله عليه وآله عليّاً سلام الله عليه خليفة له) صادف يوم النيروز. وإذا كان الأمر كذلك فلا مسوّغ لمحاسبة النيروز الإسلامي على أساس الأشهر الشمسية(6).
وعلى كلٍّ الغرض من هذا الكلام هو أن نعلم أنّ النصوص الدينية لم تسمّ النيروز عيداً، ولكنّ الأمر يختلف بالنسبة للغدير، فقد عُبّر عنه في النصوص الإسلامية بالعيد، بل أعظم الأعياد
كل عام و أنتم بألف خير
و شــــكرا