الملخّص
بسم
الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم
المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، لقد جاء اختياري "مقامات بديع
الزمان الهمذاني بين الصنعة والتصنع" موضوعاً لأطروحتي للماجستير لتبيان
المجهود الكبير الذي بذله "الهمذاني" في إنضاج فن المقامة وإخراجه في حلة
بديعة لفتت إليه الأبصار وشغلت النقاد حتى وقتنا هذا.
وقد
ولد "الهمذاني" وعاش في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري؛ تلك الفترة
التي شهدت التزاماً من الأدباء باستخدام الألوان البديعية والبيانية بشكل
لافت ومقصود، بعد أن كانت تستخدم بطريقة عفوية قبل ذلك القرن، ما نقل
الكتابة من طور الصنعة (العفوية) إلى التصنع (التكلف) في الكثير من
الأحيان.
ولبيان
مدى انعكاس ذلك على مقامات "الهمذاني" وتأثيره على المعنى، خصوصاً أن
مقاماته كانت موضع اختلاف بين النقاد، قررت سبر غور هذا الموضوع.
ويهدف
هذا البحث- الذي اتبعت فيه المنهج التكاملي، إلى جانب المنهجين الأسلوبي
والبنيوي، لا سيما في تحليل النصوص- بشكل أساس إلى تبيان الصلة بين حركة
المجتمع وذائقته الفنية والأدبية وبين صنوف الإبداع المختلفة، خاصة الفنون
النثرية، بمعنى إظهار العلاقة الداخلية بين مظاهر العيش وطرائق التعبير
الفني، مستغلاً في ذلك مقامات "بديع الزمان الهمذاني".
إن فن المقامة فن خاص، فلا هو بالحكاية ولا هو بالقصة، على رغم اشتمال
المقامة على عناصرهما، ومن الظلم محاكمة المقامة بمعايير حديثة، كما أنه
من الظلم إغماط المقامة حقها من ابتكار نسق نثري فريد.
وقد
جاء البحث في فصلين؛ الأول تعرض في أربعة مباحث بالتفصيل لمظاهر العصر
الذي عاش فيه "بديع الزمان"، وهو القرن الرابع الهجري، في حين تناول الفصل
الثاني الذي جاء في ستة مباحث فن المقامات وتاريخها، وعلاقتها بالواقع،
ومضامينها، وأساليبها، والصنعة والتصنع فيها، ومن ثم تحليل بعض منها بشكل
تفصيلي. وتبين من خلال البحث أن التصنع أو التكلف في مقامات "الهمذاني"
كان قليلاً بالقياس إلى الإبداع الفني فيها والإجادة في الصنعة، وقد يكون
هذا التكلف بقصد الإثارة ولفت الانتباه والرغبة في إظهار القدرة الفائقة
على الإتيان بكل مدهش.
إن
هذه المقامات التي قيل عنها يوماً إنها شعوذة، وقيل إنها دليل عصر انحطاط
وجمود، كما قيل عنها إنها مجرد محسنات لفظية وتكلف وتصنع، نراها اليوم
قطعاً نثرية خالدة، استُعملت فيها أساليب البيان والبديع كما فرضها الصدق
وأملتها التجربة، وظهر فيها "الهمذاني" فناناً أصيلاً لا ترهقه قيود السجع
أو الصنعة، ولا تحده ولا تقيده في أن يعبر عن نفسه تماماً، وأن يكشف
مكنوناته، يساعده في ذلك ثراء لغوي، وخصب في الكلام والخيال. وفي الختام،
لا يسعني إلا أن أتقدم بالشكر الجزيل للأستاذ المشرف على هذه الرسالة
الدكتور "إبراهيم الخواجا" الذي تابعني ووجهني، ولم يبخل عليّ بالإرشاد أو
النصيحة، أو حتى بتزويدي بعدد من المصادر والمراجع. كما أشكر الأستاذين
الفاضلين عضوي لجنة المناقشة: الدكتور "إحسان الديك"، والدكتور "نبيل
زيادة"، لتجشمهما عناء قراءة هذه الرسالة، وتفضلهما بإبداء ملاحظاتهما
عليها، ما سيكون له الفضل في إخراجها بصورة أفضل مما هي عليها.